Home Artikel المنهج النسوي في الدراسات الإسلامية بالجامعات الإسلامية بإندونيسيا

المنهج النسوي في الدراسات الإسلامية بالجامعات الإسلامية بإندونيسيا

1894
0

إن مفهوم النسوية كما ورد في Merriam Webster’s Dictionary هو نظرية المساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأجناس. وتعني أيضاً بأنها أنشطة منظمة باسم حقوق المرأة ومصالحها. والنسوية في حقيقة أمرها حركة أيديلوجية نشأت في بلاد الغرب في أواخر القرن التاسع عشر من الميلاد. وتتولد هذه الحركة كنتيجة منطقية لظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية في تصرفاتهم نحو المرأة. فليس للمرأة الغربية آنئذ حق في أن تتلقى العلوم في المدارس الشعبية، وليس لها حق الاقتراع ولا تعتبر في الانتخابات، وأيضا ليس للمتزوجات حق التملك والتمليك في مالها. وبالجملة أن وجود المرأة في الغرب آنئذ كعدمها. وهذا الذي يدعو عدد من النساء في الغرب إلى الثورة الاجتماعية الواسعة النطاق. وبالتالي أدت هذه الثورة إلى نشأة الحركة النسوية التي تتركز على طلب حقوق المرأة عامة. ومن أبرز شخصيات هذه الحركة هي Elizabet Cady Stanton (1815-1902)، Susan B. Anthony (1820-1906)، Ann Preston (1813-1872)، Elizabeth Blackwell (1821-1910)، Elizabeth Garrett Anderson (1836-1917)، Charlotte E. Ray (1850-1911)، Clarina Irene Howard Nichols (1810-1885)، Sophonisba Preston Breckinridge (1866-1948)

، وهلم جرا.

وإن الاضطهادات نحو المرأة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي استقرت في المجتمع الغربي، وأصبحت منظومة اجتماعية لديهم في حقيقة أمرها وليدة من نصوص الأناجيل، كما صرحت Pamela J. Milne في كتاب Feminist Approaches to The Bible (مناهج نسوية في التعامل مع الإنجيل)، حيث قالت: “إن الإنجيل قد زوّد أقصى تثبيت منطقي هام لاضطهاد النساء في الحضارة الغربية” (1994م: ص47). ومن نصوص الأناجيل التي تساهم على اضطهاد النساء هي كما يلي:

1.   أن أصل ذنوب البشر من المرأة. (التكوين 3: 1-6؛ (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 2: 13-14)

  1. أن المرأة لا تسمح أن تعلم ولا تتسلط على الرجل (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 2: 12)
  2. لعنة الله على المرأة تتمثل في أوجاع المخاض، والإنجاب، وتسلط الرجل عليها (التكوين 3: 16)
  3. ليس للنساء حق الكلام والسؤال في الكنائس، وإذا أردن السؤال فليسألن أزواجهن في البيت (الرسالة الأولى إلى كورينتوس 14: 34-35)
  4. ليس للبنت حق الإرث، ما دام الوارثون من الذكور موجودين (العدد 27: 8)
  5. لا ترث الزوجة من زوجها (العدد 27: 8-11)
  6. مكانة المرأة أشر من الموت (الخطباء 7: 26) (Ecclesiates 7: 26)
  7. جواز بيع البنت كبيع العبد (الخروج 21: 7)

 

وهكذا نشأت جذور النسوية في المجتمع الغربي. وسرعان تنتشر بوسع النطاق لكونها حركة تنبثق من أقصى حالاتها المضطهدة، ثم تحاول أن تتطلب العدالة الاجتماعية. ولكن هذه الحركة النسوية في مسيرها قد جاوزت حد الإنسانية الأساسية المضادة عن فطرة النساء. فقد تطلبت هذه الحركة المساواة الكمية المطلقة بالرجال، وحق الاختيار في إسقاط الجنين، وإلحاح إبطال أي قانون يحدد فيه عملية الإجهاض، وجواز اللواط، وإبطال رئاسة الرجال في الشؤون الأهلية، وما أشبهه.

 

تغلغل الفكرة النسوية في الدراسات الإسلامية بإندونيسيا

لقد صدق ابن خلدون عندما يقول في مقدمته: “المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده”. فبعض المسلمين الذين فقدوا الثقة من أنفسهم يعتبرون الغرب -بكل ما حصلوا من تقدمهم في فنون التكنولوجيا- قدوة مثالية في نواحي حياتهم، بزعمٍ أن ذلك يؤدي إلى الترقي العلمي والحضاري. يقول طه حسين (1889م-1976م) في كتابه مستقبل الثقافة في مصر: “علينا أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره…”

والمثقفون المسلمون في إندونيسيا أمثال طه حسين ليس بقليل. فقد وجدنا شأن بعض المثقفين في الجامعات الإسلامية بإندونسيا يعتبرون الفكرة النسوية الغربية حلا وحيداً لمشاكل النساء في العالم الإسلامي، وخصوصا في إندونيسيا. فحاولوا إدخال المنهج والتقريب النسوي في علوم القرآن والحديث والتفسير والفقه في تدريس هذه المواد في كثير من الجامعات الإسلامية، حكومية كانت أم أهلية. وبالتعاون مع المؤسسات الغربية، أمثال مؤسسة فورد ومؤسسة آسيا، وجامعة ميك جِلّ الكندية (McGill University, Canada) وغيرها، أقاموا مراكز الدراسات النسوية في الجامعات والمنظمات الإسلامية بإندونيسيا. ومن أنشطة هذه المراكز في إطار نشر الفكرة النسوية هي تأليف الكتب ودراستها، وإقامة الدورات التدريبية والندوات للطلبة والمجتمعات، ونشر مؤلفات نصر حامد أبو زيد، وأركون، ومحمد شحرور، وآمنة ودود محسن، وفاطمة مرنيسي وغيرهم من مفكري العرب اللبراليين بعد ترجمتها إلى الإندونيسية، ومحاولة إبطال قانون الزواج الإسلامي الذي لا يتوافق مع الفكر النسوي ومفهوم المساواة المطلقة بواسطة المجلات والجرائد الوطنية والقنوات الفضائية والإذاعات. وقد ألف النسويون مسودة القانون المقابل (counter legal draft) حوالي عام 2004م، وحاولوا إبطال قانون الزواج الإسلامي بهذه المسودة. ومن ضمن هذه المسودة تحريم تعدد الزوجات قانونياًّ، إباحية نكاح المسلمة بغير مسلم، وتسوية نصيب ميراث الابن والبنت، وإلزام عدة الطلاق على الرجال، وقد تم إثبات زمن العدة للرجال 130 يوماً، وغير ذلك من الافتراءات.

وإن الفكر النسوي قد أثر تأثيرا كبيراً في مستقبل تطور الدراسات الإسلامية في إندونيسيا، فليسوا مرتكزين في إفساد المقررات الدراسية لمرحلة جامعية فقط، بل خَطَوا إلى مرحلة ابتدائية. فألفوا كتاب Isu-Isu Gender dalam Kurikulum Pendidikan Dasar dan Menengah (=قضايا النسوية في المقررات الدراسية لمرحلة الابتدائية إلى الثانوية) بالتعاون مع IISEP بجامعة ميك جِلّ الكندية (McGill University, Canada) والجامعة الإسلامية الحكومية بجوكجاكرتا. ويبحث هذا الكتاب عن الردود على تعاليم الإسلام المتعلقة بهيمنة الرجال على النساء. فسرعان يقترح الكتاب أن حد ثوب الإحرام للمرأة مثل الرجال، وإلحاح جواز الأذان للمرأة وإمامتها على الرجال في الصلاة، وأن رضاعة الصبيان ليست من مسؤولية النساء، وتسوية عدد ذبح الشاة لعقيقة الابن والبنت، وهلم جرا.

وقد أصدرت جمعية طلبة كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية الحكومية سمارنج جاوى الوسطى، كتاب Indahnya Kawin Sesama Jenis (=ما أجمل النكاح المثلي)، ويصرحون في الغلاف الخلفي للكتاب، “اللواط والسحاق: صوت من الجامعة الإسلامية الحكومية! لا يقول بعدم مشروعية النكاح الجنسي (اللواط والسحاق) إلا بدائيون. وقلنا: لا حجة لأي إنسان وبأي نظر كان أن يحرم النكاح المثلي. لأن الله قد علم بنجاح مشروعه في خلق البشر، بل قد تجاوز الحد المرجوّ”. وقد أيدته أ.د. سيتي مسداه مليا (أستاذة في الجامعة الإسلامية الحكومية بجاكرتا) في حوارها المنشور في Jurnal Perempuan (=مجلة المرأة) العدد 58، بعنوان “ينظر الله إلى التقوى ولا إلى الرغبة الجنسية” حيث قالت إن درجة تقوى المؤمن لا تقدر بالرغبة الجنسية، فلكل إنسان –بغير مبالات إلى أنه مشته الجنس الآخر أم نفس الجنس- طاقة متساوية ليصبح أهل التقوى والإيمان. وقالت أن أهل اللواط والسحاق داخل في خطاب قوله تعالى: “فاستبقوا الخيرات”. وبالإضافة إلى هذا الموقف، كتبت مقالة في مجلة “مدينة” (شهر مايو 2008) بأن اللواط هو رغبة طبيعية، فطره الله في نفس الإنسان، لذلك أباحه الإسلام ولا يحرمه. وفي حين ما يتعلق بلعنة الله على قوم لوط، رأت أ.د. سيتي مسداه بأنهم يعملون اللواط والسحاق بطريقة منحرفة، تعني من جهة الدبر بدون رضى المفعول، ويتبادلون الأزواج حتى يؤلم قلب الزوج الأول ومن ثم أصبح لواط قوم لوط مضر للصحة. فاللعنة غير باقية إذا كان اللواط صادر عن تراضٍ، ولا يضر الصحة، ولا توجد الخيانة من أحد الزوجين بفعل تعدد الأزواج. وتلك هي من نماذج بسيطة من أخطار الحركة النسوية في مجال التعليم الجامعي، وهناك أخطار أخرى في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية لا يمكن أن يذكرها الباحث جميعاً في هذه الورقة.

فلا جرم، أن الأفكار النسوية قد لعبت دوراً هاماًّ في توجيه الدراسات الإسلامية الحديثة في إندونيسيا. وقد تغلغلت هذه الأفكار في الجامعات الإسلامية وكبرى المنظمات الإسلامية. فأصبحت علوم الدين أمثال التفسير والفقه وعلوم القرآن والحديث مشوهة بالمنظور النسوي الغربي.

ونماذج الأفكار المضادة للشريعة الإسلامية التي يمثلها المنظور النسوي كما سبق ذكرها في الدراسات الإسلامية، تتأسس على المنهج التاريخي ونظرية السياق (contextual approach) المتوجهة إلى فن تأويل الأناجيل (Hermeneutics). فأصبحت الأحكام الشرعية التي لا تتمشى مع أغراض النسوية مرفوضة لديهم بدعوى أن تلك الأحكام تتعلق بخلفية الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية أوان نزول الوحي. وبالإضافة إلى ذلك، قالوا بتغير الأحكام حسب الوقائع والأزمنة. فلا يعترفون بالقطعيات والثوابت والمحكمات. ويرون أنه لا ثابت إلا المتغيرات، فالثابت هو متغير، والمتغير هو ثابت. وهكذا أصول السفسطة تهيمن على أفكار النسويين.

ولا شك أن استعمال المنهج التاريخي المليء بالقيم الغربية للتعامل مع الوحي، يؤدي إلى رفض المصدر الإلهي. وبالجملة أن من أوضح تشويه من هذا المنهج التاريخي هو أن الوحي يُتولد جمعيا من عدة العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبعبارة أخرى، أن الوحي يُنتج من الخبرات والتجارب الفردية لدى رسول الله في زمن ومكان معين، من حيث أن الخلفية التاريخية آنئذ تلعب دورا هاماًّ في تلوين آرائه صلى الله عليه وسلم.

وبالجملة، أن تغلغل المنظور النسوي في الدراسات الإسلامية بالجامعات أنحاء إندونيسيا دليل على ضعف الهوية الإسلامية لدى بعض المثقفين الإندونيسيين، ولا يصدر هذا الضعف إلا من شعور التغلب وفقدان الثقة بالنفس أمام الحضارة الغربية المهيمنة.

 

*أمين مؤسسة التمدن لمقاومة الغزو الفكري بجاكرتا

بكالوريوس في كلية أصول الدين، بجامعة دار السلام الإسلامية، بمعهد دار السلام الحديث للتربية الإسلامية، كونتور، فونوروكو في الفترة من 1995-1999م. موضوع الرسالة: “موقف أهل السنة والجماعة من الأصول الخمسة للمعتزلة: دراسة نقدية تحليلية” (باللغة العربية)

ماجستير في كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية، بالجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، في الفترة من 2001-2004م، موضوع الرسالة: “دور الغزالي في تطوير منهج علم الكلام من خلال كتابه الاقتصاد في الاعتقاد” (باللغة العربية)

Leave a Reply